هويدا طه
هذا هو أجمل ما في آفة إدمان متابعة الأخبار! أن تكون ممسكاً بالريموت كنترول، تدور به علي قنوات التليفزيون، متململاً من أخبار
فلسطين والعراق البايتة المتكررة، والتي أصبحت (موضة قديمة) أمام (الجديد المبهر) الذي يحدث في لبنان ومصر! ولا تجد شيئاً سوي الريموت كنترول (تفش خلقك) فيه.. بحسب التعبير اللبناني العبقري، فإذا بقنوات الأخبار- قناة تلو الأخري- تقذف في وجهك بعبارة (الخبر العاجل) المحببة! خبر عاجل بجد، وليس (خبر مألوف)! هكذا تلقف بعضهم الخبر العاجل: مبارك يقترح تعديل الدستور كي يسمح بانتخاب مباشر لرئيس الجمهورية في انتخابات متعددة المرشحين ، تعتدل في جلستك، ثم تكتشف أن الخبر يستحق ما هو أكثر من مجرد الاعتدال في الجلسة.. فتهب واقفاً، إيه إللي بيحصل ده! ثم تبدأ بمتابعة ضيوف القنوات المختلفة للتعرف علي التفاصيل، بل وتفاصيل التفاصيل، ضيف محسوب علي المعارضة (القديمة) التي كانت خلية نائمة علي ما يبدو منذ سنين، وصحت تواً لما سمعت الخبر.. فراحت تدعي شرفاً لم تحفظه وليس لها به نسبُ! وضيف محسوب علي عينة من نجوم التليفزيونات يسمي المنتمي إليها (مفكر استراتيجي)، يطرح رؤيته العبقرية فيما وراء تفسير الإشكالية علي خلفية الخطوة المباركية! أما الضيف المحسوب علي الحكومة ـ وهو الذي كان يوميا علي مدي ربع قرن يدافع عن طلاق مبارك البائن للديمقراطية ـ فقد ارتضي لنفسه فجأة.. أن يقوم بدور (المحلل)!هناك نوع واحد من الضيوف لم يسع قنوات التليفزيون أن تستضيفه، لأن من ينتمي إليه كان مشغولاً في شوارع القاهرة، المصري الذي نزل إلي الشارع ليبدأ مسيرة تقول لمبارك كفاية ، ورتب نفسه ليخوض معركة سلمية طويلة تبدأ بصرخة كفاية.. إحنا وصلنا للنهاية ، فإذا به يصيب من أول طلقة! ولا تمر أيام علي أول تكشيرة مصرية شعبية حقيقية ضد مبارك، إلا والرجل كان فايت في الحيط! وأصابه الذعر والهلع، بعد أن عرف أن تكشيرة المصريين هذه المرة (جد مش هزار)، وبعد أن اكتشف إن التضرع لأمريكا هذه المرة لن يجدي، فلم يلق منها إلا ذلك النوع من الركل، الذي تدخره في صورة (نهاية خدمة)، تمنحها لكل حاكم في العالم الثالث من هذا الصنف! لكن لأن مبارك كان مثل (المقرر المدرسي) علي المصريين، لمدة وصلت إلي ربع قرن، لم ينجحوا خلالها في الفكاك منه، فقد (حفظوه) عن ظهر قلب، لذلك عرفوا ما وراء مفاجآت (الامتحان الأخير)! وجاءت محاولته الالتفافية مكشوفة، تعديل دستوري يسمح بترشيح أشباح، لا تملك من الإمكانيات ما يتيح لها تعريف نفسها للمواطنين، فكل الأجهزة في جيبه، إعلام وداخلية وأمن ومال الدولة، وكل شيء، وهو ما يعني أنه (ناجح ناجح)! سواء كان ناوي يرشح نفسه.. أو ناوي يرشح المحروس! ولم يكن خافياً علي أي مصري، من المفكر الفيلسوف إلي بياع الفول، أنه بعد عند وغطرسة طويلة.. بدأت سلسلة التنازلات، ومناورة تعديل الدستور هي أول التنازلات، وأن التكشير الحقيقي الذي يبديه المصري المنهك أثمر أخيراً، فسقطت أول ثمرة من محصول.. لابد من حصاده كاملاً، إذ من قال إن تعديل الدستور (كفاية)؟! من قال إن (الخروج) إلي الشوارع يتوقف عند أول وعد؟! هل توقف اللبنانيون لمجرد أن حكومتهم التي يريدون إسقاطها ـ بعد أن حملوها مسؤولية مقتل الحريري ـ وعدتهم بالتحقيق في الأمر؟ اللبنانيون خرجوا إلي الشارع ولم يرضهم إلا إسقاط الحكومة، والمصريون ذاقوا حلاوة نتائج التكشير بعد صبر سنين، ولن يرحموا مبارك وأسرته بعد اليوم، ستجدهم من الآن وصاعدا، وهم الذين سكتوا وسلموا أمرهم أمام ما فعله بهم علي مر السنين، (يطلعوله) الشارع علي كل صغيرة وكبيرة! فالمنطقة تتغير.. والمشهد اللبناني أسال لعاب كل مواطن عربي كان يائساً من جدوي (حكاية الخروج إلي الشوارع)، وسوف يتحول الصراخ المصري من مجرد ـ الإعلان ـ عن نفاد الصبر، بشعار كفاية.. إحنا وصلنا للنهاية ، إلي مرحلة (رأس برأس)!.. لتري المصريين يتشبثون بأن مبارك: (كفاية عليه كده) حتي لو عدّل الدستور! وأنهم لم ولن يبلعوا محاولته الالتفافية.. ولن ينطلي عليهم تلويح واحد صار ظهره للحيط، فشعار المرحلة التالية.. تعّدل.. متعدّلش.. برضه كفاية!! .
القدس العربي
القدس العربي
No comments:
Post a Comment