أسامة رشدي
كان مشهد الإفراج عن فتاة "الفيس بوك" إسراء عبد الفتاح التي أسست مجموعة إضراب 6 أبريل على الموقع العالمي الشهير (facebook) مؤثرا للغاية، ويجسد حقيقة أن الداخل لسجون الطاغية مبارك مفقود والخارج منها مولود كما كانوا يقولون لنا في السجون.لقد ظهرت إسراء مذعورة تبكي بهستيريا عندما رأت والدتها وألقت بنفسها في حضنها تلتمس الأمان بعد محنة صعبة لفتاة من عائلة طيبة لم تسرق أو تقتل أو تعتدي ولكنها حلمت أن تمارس حقها ودورها كمواطنة يمكن أن تؤثر في واقع ومستقبل بلدها، وكانت جريمتها أنها كتبت كلمتين في الانترنت فتجمع حول دعوتها شباب وشابات من كل أنحاء مصر، لم تكن تعرفهم من قبل، ولم تتخيل عندما بدأت أن الآلاف والملايين سيشاطرونها همها سواء وقعوا معها على دعوة الإضراب، أم قصرت بهم الإمكانات عن المشاركة في نادي النخبة وهو الانترنت.لم يكن حضور التليفزيون واختيار قناة غير حكومية لتصوير مشهد الإفراج عن إسراء إجراء عبثي بل كان مبرمجا تماما، وكانت رسالة لآلاف الشباب ولعائلاتهم ممن يمكن أن يتصوروا أن هذا النظام الديكتاتوري الفاسد قد يسمح لأحد باسم حقوق المواطنة، أو باسم الحريات، أو باسم الشعارات التي يتاجر بها، أن يكتبوا بضع كلمات بشكل حضاري على الانترنت، خاصة بعد أن وجدت من يقرأها ويلتف حولها، ويترجمها لحركة شعبية في فضاء يتمتع بالحيوية والحرية.. وهي رسالة أيضا للآباء والأمهات بأن الفيس بوك والانترنت بات أخطر ربما من المخدرات.وقد قيل من أسباب صدور القرار الغبي باعتقال إسراء بموجب قانون الطوارئ بعد أن أفرجت عنها النيابة، أن الصورة التي تناقلتها وسائل الإعلام لإسراء عند صعودها لسيارة الترحيلات بعد خروجها من المحكمة وهي تشير للمجتمعين بعلامة النصر ، قد نقلتها من مجرد فتاة لزعيمة سياسية استلزم تحطيمها.. فأراد نظام مبارك أن يبرز لها كارت إرهاب ويبدد هذه الصورة البطولية بإحضار الكاميرات وتسجيل وبث المشهد الإنساني لفتاة ضعيفة بسيطة من ملايين الفتيات والشباب في مصر.النظام متخصص في تدمير الحركات الشعبية واختراق الأحزاب السياسية، وتحطيم الرموز والزعامات الجماهيرية .. ولن يسمح لأحد بالبروز، وعندما رأوا أيمن نور يحاول الصعود السياسي في أعقاب الترخيص له بحزب الغد وبدأ الشباب يلتف حوله، لم يترددوا في تحطيمه وسحقه وتلفيق الاتهامات له والتآمر عليه بقسوة وغيبوه تماما خلف أسوار الطغيان، رغم أن حزبه الذي سمحوا له به لم يكن قد مر علي تأسيسه شهرين فقط.لقد أراد نظام مبارك الفاسد أن يقول من عرض مشهد الإفراج عن إسراء، أن من تخيلتموها زعيمة وبطلة ليست سوى فتاة بسيطة بكت وارتعبت عندما أغلقت عليها الزنازين وبعد أن رأت بعضا مما يمتلكه الطاغية من وسائل الإرهاب.فكان يكفي وضع إسراء وهي الفتاة العفيفة المصلية مع المجرمات في عنبر مكدس، بالجنائيات المتهمات بجرائم آداب ومخدرات وقتل وسرقة ونصب، لتجد نفسها في قاع المجتمع، وفي عالم آخر لم تتخيل يوما أنها ستكون فيه وتجاور رموزه وتعايش أبطاله، وهو وضع قاس يعرفه من جربه لأنه يزيد السجن قسوة ومهانة.كان كل هم إسراء ومصدر عذابها ورعبها خوفها على عرضها وشرفها كفتاة بريئة، وكانت تدعوا ربها في كل وقتها أن يحفظها وأن يصونها وأن يسترها .. فهذا هو شعور الشريفات العفيفات عندما يوضعون في مواضع القذارة والانحطاط.ما حدث مع إسراء هو رسالة إرهاب ليس فقط للنشطاء السياسيين وشباب الانترنت بل للمجتمع بأسره .. رسالة تخويف ورعب ..تقول أن المعتقلات مفتوحة وأن السجون عامرة .. وأن نظام الطاغية مبارك لن يتسامح مع أحد ولن يتردد في تلفيق قضايا ونصب محاكمات حتى لو كانت عسكرية كما رأينا الأسبوع الماضي، حتى وإن استهدفوا فتيات بريئات لمجرد أنهن جرؤن على الكلام.لقد رأت إسراء وسمعت ما يحدث ووراء الشمس .. فشعرت بالرعب وربما لم تكن تستطيع النوم فانهارت أعصابها، وكان من الطبيعي أن تعلن من فورها، رجوعها إلى رشدها وقبولها بأن تسير مع القطيع لا تتنفس ولا تعترض، فقد رأت ما يفعل بالمعترضين وأصحاب الإحساس والشعور.التعبير عن الشعور لا يجوز يا إسراء في عهد مبارك الأسود.. فهذا الشعب ممنوع عليه ممارسة السياسة .. ممنوع عليه التعبير عن الرأي .. ممنوع عليه التجمع والتنظيم .. ممنوع عليه أن يقول لا .. وإن قالها فليقلها في سره ويكمل عشاه نوما.ألم يقل فرعون الكبير لموسى (لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين) .. ألم يقل من قبل لشعبه (ما أريكم إلا ما أرى .. وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) .رسالتكم وصلت يا طواغيت مصر .. ولكنها لن تلقى منا ومن شعب مصر إلا الاحتقار والازدراء ، لأنها أكدت أنكم أصبحتم مرتعشين ومرعوبين من الشعب ومن غضبته ومن قواه الحية والصاعدة، التي تجاوزت الحركات التقليدية والمعروفة، لتتحول إلى حركات جماهيرية ليست نخبوية ولا أيديولوجية .. لا تملكون عنها بيانات ولا تعرفون لها قيادات ولن تتمكنوا من السيطرة عليها إلا بمثل هذه الأساليب الإرهابية التي المكشوفة التي حاولتم تطبيقها على إسراء.لقد فاتكم أن الله لا يصلح عمل المفسدين، فإسراء هي التي فضحكتكم وكشفتكم على حقيقتكم وأظهرت تخبطكم وتهافتكم وضحالة تفكيركم واستشراء جرائمكم .. لقد كنتم تخافون من إسراء وأنتم تعتقلونها وتدركون ضعفها، وظللتم لا تعرفون كيف تجيبون الناس أين أخفيتم إسراء ولماذا خطفتموها وخفتم أن تواجهوا الشعب بحقيقة رعبكم من هذه المخلوقة الرقيقة الضعيفة.فافتحوا السجون والمعتقلات يا طواغيت مصر .. وطبقوا قوانين الطوارئ والإرهاب على الشعب .. لكنكم في النهاية لن توقفوا حركة التغيير .. ومسيرة الإصلاح وكتيبة الحرية.إن 4 مايو فرصة مناسبة لك يا طاغية مصر لكي تتنحى بعد أن بلغت من العمر أرذله، شعب مصر يدعوك لتجلس في بيتك .. وتعد قبرك وتنتظر لقاء خالقك .. فمصر بملاينها الثمانين لا تحتاج لحكم ثمانيني مثلك ولا تحتاج لابنك وعصابتك .. وتحتاج لمن هو قادر على القيام بمسئولية شعبها الذي جاع وتعرى وسكن القبور والعشش .. فدعوكم من الاستئساد على الفتيات .. فقد جاء وقت الرحيل. رئيس تحرير موقع جبهة إنقاذ مصرhttp://www.saveegyptfront.org/news/
No comments:
Post a Comment