Tuesday, December 26, 2006

في مدح ولي العهد

يحكى ان ولي العهد كان يجمع العلماء و الخبراء و المفكرين من حوله و يجزل لهم العطاء المزيد في مقال منشور بعدد اليوم من المصري اليوم و عجبي
هدية لجمال مبارك.. طه حسين من أقرب أصدقائك

بقلم د.إبراهيم البحراوى

كلما راقبت مصر من نافذة أبراج الشيخوخة وطالعت علي الشاشات وفي الصحف طبيعة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعانيها.. تذكرت جمال مبارك الذي يجمع حوله علماء من جميع التخصصات فأحاول طمأنة نفسي إلي أن كل هؤلاء العلماء الذين يديرون حوارًا شبه يومي مع أمين السياسات سينتجون معه سياسات قادرة علي الموازنة الدقيقة بين تكلفة الأعباء التي تلقيها أجندة التحول الرأسمالي علي المواطنين ومراعاة البعد الإنساني والسلام الاجتماعي بعدم تعريض الجماهير العريضة للحرمان الاقتصادي بسبب الغلاء والتضخم.

كذلك أطمئن نفسي إلي أن ما لمسته شخصيا في حواراتي القصيرة مع أمين السياسات من استعداد طبيعي للتشاور والاطلاع علي الزوايا المختلفة لكل قضية لابد أنه سينتج في دار الرئاسة معادلة توازن بين متطلبات الحرية السياسية والإصلاح السياسي وضرورات القبضة الناعمة القادرة بدون طابع قمعي علي حفظ الاستقرار وحماية الوطن من الفتن والمغامرات السياسية التي قد تقفز بنا إلي الفوضي.

لم أكن أدري أن اطمئناني إلي حرص أمين السياسات علي الصلة بالعلماء والمفكرين هو ميراث انتقل في الأثير المصري من د..طه حسين حتي تلقيت هدية من الدكتور صابر عرب رئيس دار الكتب.. كتابًا يضم مقالات طه حسين الصحفية منذ قيام ثورة يوليو ١٩٥٢ مع دراسة إضافية أعدها د. أحمد زكريا الشلق لسيرة الرجل العلمية والفكرية ولكفاحه السياسي من أجل نهضة مصر عندما أسس جامعات عين شمس والإسكندرية وأسيوط وأطلق سياسة «مجانية التعليم» في المدارس وراح يقاتل بقلمه من أجل التخلص من الاستبداد الملكي ونزعة الانغلاق الفكري المتزمت لدي التيارات الإسلامية المتشددة.

لقد قررت أن أقرب بين تجربة أستاذ مفكر عاشق للحرية والاستنارة والعدالة الاجتماعية والنهضة، وجمع في تعليمه بين التراث الإسلامي وآفاق العلم الحديث في السوربون وبين جمال مبارك الذي أعول عليه كرجل سياسة في إطلاق قوي النهضة المصرية الجديدة اللائقة بالقرن الحادي والعشرين.

لقد تلقي طه حسين خبر قيام ثورة يوليو وهو في أوروبا بسعادة غامرة وألقي في مؤتمر اليونسكو خطاب مصر بمدينة البندقية فكتبت الصحف الإيطالية تقول «إن مقرر اللجنة الأدبية بالمؤتمر هو الكاتب طه حسين ملهم الثورة الاجتماعية والاقتصادية القائمة في مصر» لقد قال د. طه بعد ذلك وهو مازال في أوروبا قولاً أري أنه يستحق التأمل العميق لما فيه من حدة الإدراك للطبائع البشرية وتأثرها بالسلطة والحكم.

قال طه حسين «سنعود إلي مصر ونتكلم بصراحة ووضوح لأن هذا واجب كل رجل من رجال الفكر ولأن قادة مصر الجديدة سيرحبون فيما أرجو بآراء المفكرين ويطلبون سماعها في صراحة ووضوح واستمرار ولن يصدهم الحكم عن ذلك. أم ياتري سوف يصدهم الحكم يومًا عن سماع أصوات المفكرين؟» انها فقرة تجمع بين الأمل في أن يواصل قادة مصر الجديدة الاستماع للمفكرين والخوف من أن تؤدي السلطة بهم إلي التعالي عن هذا الاستماع فيتوالي وقوع الاخطاء السياسية.

وفي أول مقال نشره عن الثورة وأرسله إلي الأهرام من أوروبا ونشر بتاريخ ٢/٨/١٩٥٢ يبين طه حسين رؤيته لقادة مصر الجديدة ويرسم أمله فيهم فيقول: «واللّه عز وجل يقول: «... ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون...» فقد كان جيش هذه الأمة التي دعت إلي الخير وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر وسارعت في الخيرات وأيدت هذا كله بالقوة التي خلقت لتنصر الحق، ولم تخلق لتنصر الباطل عليه».

إن أمل طه حسين «الذي قامت الثورة بعد أن تجاوز الستين ببضعة أعوام» في قادة مصر الجديدة منذ ست وخمسين سنة هو نفس أملي الذي أعبر عنه في مقالاتي وأعلقه بجمال مبارك الذي يدخر في وجدانه ميلاً عميقًا نحو إصلاح أحوال مصر. من هنا وجدت أن أفضل هدية أقدمها إليه هي تقريبه من طه حسين في هذا المقال.

كان طه حسين مشغولاً بالقضايا الكبري في الإصلاح السياسي فأبدي اهتمامًا واضحًا بأمر الدستور الجديد منذ قرر مجلس قيادة الثورة إسقاط الدستور الملكي «دستور ١٩٢٣»، وقبل أن يختار عضوًا في لجنة وضع الدستور الجديد كتب يقول في ١٣ ديسمبر ١٩٥٢ «إننا يجب أن نرد هذا الحق الأكبر إلي صاحبه وهو الشعب فالدستور يوضع للشعب كله بتعاقب أجياله والشعب هو صاحب الحق الأول في أن يختار لنفسه نظام الحكم الذي يريده وأن من حق الأجيال المتعاقبة أن تغير هذا النظام بين حين وحين لتلائم بينه وبين حاجاتها وأطوارها».

كان طه حسين من دعاة النظام الجمهوري منذ إنزال الملك فاروق عن عرشه وفي هذا يقول: «فقد شقيت مصر بهذا النظام الملكي شقاء متصلاً وقد آن للمصريين أن يدركوا أن الحكم لا يأتي إلا منهم ولا يتنزل عليهم وأن الحكام مهما يكونوا خدام لا سادة ينصبهم الشعب ليؤدوا بعض أعماله التي تتصل بمرافقه السياسية والاجتماعية في الحدود التي يرسمها الدستور ويرزقهم أجورهم علي ذلك ويسألهم بعد ذلك عما يفعلون».

ولقد صدر قرار مجلس الثورة بإسقاط الملكية وإعلان الجمهورية كما يقول صاحب الدراسة بعد هذا المقال في ١٨ يونيو ١٩٥٣ ولأن كفاح طه حسين في العصر الملكي انصب في جزء كبير منه علي ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية وتطهير مصر من الحرمان الاقتصادي والفقر فقد كتب بعد الثورة يقول: «وجعلت أسأل نفسي أيتاح لي ولأمثالي من الذين طالبوا بتحقيق التضامن الاجتماعي الصحيح وأنكروا علي المترفين إسرافهم في الترف.. أن نري مصر ذات يوم وقد أنصفت الدولة كل محروم؟»

وفي قضية حرية التعبير يصف طه حسين جو القمع الملكي للحريات في مقاله المذكور بالأهرام بتاريخ ٢/٨/١٩٥٢ علي نحو كاشف للأعماق فيقول: «لقد كنا نفكر فنحاسب أنفسنا علي ما نفكر ونكتب فندير الجملة أو الكلمة في رؤوسنا قبل أن نلقيها إلي القلم ليخطها علي القرطاس وكنا نرسل المقالة إلي الصحيفة ونحن نقدر أنها لن تنشر لأن الرقيب كان لها بالمرصاد فإذا نشرت منقوصة أو كاملة جعلنا ننتظر أعقابها ونسأل أنفسنا أتمضي بسلام أم تدفعنا إلي سجن من هذه السجون أو تفسد علينا أمورنا الخاصة أو تحد من حريتنا في الحركة والانتقال».

الأخ أمين السياسات لقد قدمت لك صديقًا لن تندم علي صداقته فهو خير معين لك وأنت تنتج سياسات الإصلاح لمصرنا مع العلماء والمفكرين.

No comments: